النفوس العادية لها لحظات تصفو فيها ،و ترق ، و تحلق بأفكارها و مشاعرها إلى عالم و فضاء نقي طهور...
لكنها لا تلبث أن تهبط إلى أفقها الداني، تعيش فيه معظم وقتها ،و ترمق ذلك العلو كأنه ألق عارض أو معنى أتى من عالم بعيد!!
و النفوس العظيمة لها مجال أرحب، و مدى أبعد من العلو، تستقيم على نهج سلوك رفيع لا تحيد عنه، كالطير الذي ألف الذرى.. لا يهبط عنها إلا قليلاً ...
و كذلك خلق الله الناس!!!
بين عامة مقيدين في قيود مطالبهم المحدودة ...
و بين خاصة تخلصوا من أغلب هذه القيود ، و ربما تعلق أحدها بأقدامهم فأرهقهم حيناً!!
و إذا كان هذا شأن العامة و الخاصة ، فإن هؤلاء الخاصة المتميزين يقع بينهم من التفاوت في الخير والفضل ما يشبه التفاوت بين أبعاد الكواكب :
- بعضها يفكر الناس في الوصول إليها لأنه و إن بعد قريب..
- و بعضها تنقطع الأوهام في الوصول إليه ...
وكذلك الفروق بين العظماء!!
وقد اقتضت حكمته تعالى أن يختار حملة الوحي من الصفوة المنتقاة من هؤلاء الخاصة، فالأنبياء رجال لا يقارنون في ذكائهم وصلابتهم وهمتهم وفطنتهم وإدراكهم لطبائع النفوس .
ومن الخطأ الفادح النظر إليهم أنهم على قدر من (الطيبة والسذاجة ) رشحهم للقيادة في عصور التخلف...
كلا !! فإن زعامة الأمم قديماً وحديثاً لا تنعقد إلا لرجال يمتلكون ما يوطئ الأكتاف... ويجمع لهم الآلاف!!
و قد قرر القرآن هذه الحقيقة:
“واذكر عبادنا إبراهيم و اسحاق و يعقوب أولي الأيدي و الأبصار ، إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ، و إنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار“ الآية...
أصحاب القوة و الأبصار النيرة مستخلصون من أجيال الأرض .. كما تستخلص أطايب البستان لهدية مستحبة، فتترك ما هو جميل إلى ما هو أجمل...
و هذا هو معنى الاصطفاء؟..
لن يخطئك و أن تجول النظر في حملة الوحي ..الأنبياء الكرام.. أن ترى هامة شماء،و نبي متفرد.. كلف الأنبياء بهداية الناس بعض الوقت، أما هو فقد كلفه بهدايتهم الدهر كله ...و كتابه يبقى بينهم ما بقي الليل و النهار...
تلمح وسط هذا الحشد المبارك (محمد بن عبد الله) صلى الله عليه و سلم ، صاحب الرسالة الخاتمة...
إنه المثل العليا كلها في صورة لحم و دم...
لكنك لن تستطيع الوصول و الاتصال به....
إلا إذا تمثلت المعاني الرفيعة التي يحملها و عاش بها في حياته...
إن العصاة لن يعرفوا (محمد) صلى الله عليه و سلم، فلن يعرفه من سفه نفسه وصغر عقله و قلبه!!
لن يعرف (محمد)صلى الله عليه وسلم من حبس نفسه في سجن الدنايا ، وقعد عن نصرة الحق و الخير و العدل.!!
إن ينابيع الخير التي غمرت حياته صلى الله عليه و سلم جاءت من معرفته الساطعة بالله و ذكره الدائم له، و تمثله لمعاني كمال ربه عز و جل في أسمائه و صفاته.
إن العالم منذ الأزل لم يعرف إنسان استغرق في تأمله الحي، و مشى على الأرض و قلبه في السماء كما عرف (محمد) صلى الله عليه وسلم... فهو خير من حقق في نفسه وفيمن حوله معاني الإنسان الرباني المستخلف.!!
إن التجارب علمتنا أن حياة التأمل و التفكير و المناجاة لا تتحقق لصاحبها إلا في خلوة بعيداً عن الناس...
إلا أن من يدرس حياته صلى الله عليه وسلم يرى في مسلكه ما يخالف ذلك!!
فهو قد عالج من قضايا المجتمع وأفراده ، و أحوال الحرب و السلام ما لم يتح لبشر مثله، ومع ذلك فإن صفاءه النفسي وتوقده العقلي لم يشبه شائبة، فيترك في الآخرين أثره العميق و لا يتأثر بضيق نفوسهم!!
يرسل كلماته الرائعة، فهل تعجب بكلماته ، و رقّة روحه ،أم بروعة تناسق ألفاظه؟
فهو قد عالج من قضايا المجتمع وأفراده ، و أحوال الحرب و السلام ما لم يتح لبشر مثله، ومع ذلك فإن صفاءه النفسي وتوقده العقلي لم يشبه شائبة، فيترك في الآخرين أثره العميق و لا يتأثر بضيق نفوسهم!!
يرسل كلماته الرائعة، فهل تعجب بكلماته ، و رقّة روحه ،أم بروعة تناسق ألفاظه؟
و طبيعي أن يعيش صاحب الرسالة طيلة عمره مبرّأ من كل عيب، منزّه عن كل ملامة..
إن كل كبير له سقطة أو كبوة ...
لكن صنف من الناس لا تشوبه شائبة ..
هم المصطفون الأخيار....
في طليعتهم إمام فذّ و رحمة مهداة، و نبي معصوم...
هو : (محمد) صلى الله عليه و سلم...
فهل أنت على خطاه؟!!