كانت الخطوة التالية بعد زيارتى لغار حراء هى زيارة الغار الثانى فى تاريخ الإسلام وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم: هى زيارة غار ثور حيث لجأ الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبه لثلاث ليال اختباء من المشركين المطاردين لدعوة الحق وصاحبها
بعد أداء صلاة الفجر فى المسجد الحرام وسط مئات الألوف من المسلمين من شتى بقاع الأرض وصنوف البشر وألوانهم، كلهم قد أتى من كل حدب وصوب موجها وجهه شطر الكعبة المشرفة و التى تشرفت بها وحولها العمارة الحديثة للمسجد الحرام المليئ بكل ماييسر كافة سبل الراحة لزواره مما لم يكن يخطر بخيال تحقيقه من عقود قليلة ، صعدت سريعا إلى غرفة الفندق المطل على الحرم لتناول فنجان من النسكافيه الدافئ ثم نزلت وقد لاحت تباشير الصباح وتحرك الناس آمنين حول الحرم لأستقل سيارة أجرة تصل إلى قاعدة جبل ثور جنوب غربى مكة فى دقائق قليلة.
اتفق الرسول عليه الصلاة والسلام مع أبى بكر على تفاصيل الخروج من مكة للهجرة إلى يثرب، و تخيروا الغار الذى يأوون إليه ، تخيروه جنوبا فى اتجاه اليمن لتضليل المطاردين ، ثم عاد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى بيته ، فوجد قريشا بدأت تضرب الحصار من حوله ، وبعثت بالفتيان الذين وكلت إليهم اغتيال محمد صلى الله عليه وسلم ، وتفريق دمه بين القبائل!!
وأوعز الرسول عليه الصلاة والسلام إلى على بن أبى طالب فى هذه الليلة الرهيبة أن يرتدى برده الذى ينام فيه وأن يتسجى به على سريره، وفى هجعة من الليل وغفلة من الحرس انسل الرسول عليه الصلاة والسلام من بيته إلى دار أبى بكر ثم خرج الجلان من خوخة فى ظهرها إلى غار ثور، إلى الغار الذى استودعته العناية مصير الرسالة الخاتمة، ومستقبل حضارة كاملة..
بدأت طريق الصعود الذى بدا سهل التدرج فى البداية وفى طريقى أقابل العشرات من الهابطين فى الإتجاه المعاكس من بلدان مخيلفة نتبادل تحية الإسلام و السلام والإبتسام وينطلق كل فى اتجاهه، وبعد المرحلة الأولى أخذت حدة الصعود تزداد شيئا فشيئا وتتحول طبيعة المكان إلى صخور ضخمة تزيد من صعوبة الصعود ، لولا السلالم الملتوية يمنة ويسرة التى صنعها المتطوعون عبر العصور كما فعلوا فى جبل النور وغار حراء، فأصبح الصعود أكثر سهولة ويسرا، ودون الحاجة إلى استخدام الأيدى للتشيث بالصخور الحادة الإرتفاع كما ولابد أن سيد الخلق عليه افضل الصلاة والسلام قد فعل مع صاحبه الصديق فى مفرهما من كفار مكة
جعل أبو بكر يمشى مرة أمام النبى صلى الله عليه وسلم ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله ، فسأله الرسول عليه الصلاة والسلام عن ذلك فقال: يارسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك
كنت ماضيا فى طريقى أنظر أمامى فى سلام ودعة، ولا ألتفت خلفى إلا لأتمل الجمال الأخاذ لطبيعة جبل ثور والذى زادته الصخور الشاهقة وقمر يميل للغروب خلفها وأشعة الشمس الشارقة مع شجيرات متناثرة هنا وهناك جمالا إلى جمال، ولربما كانت ساعات الصباح هذه هى التى صافحت الصاحبين بعد خروجهما من بيوت مكة فجرا