من بين أولاد عبد العزيز بن مروان كانت للصغير عمر
مكانة خاصة في قلب أبويه.
كانا يعلمان أن له شأنا أخبر عنه جده الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وعم والدته عبد الله بن عمر وعدد كبير من الصحابة والتابعين
الذين أجمعوا علي أن أعدل حكام بني أمية قاطبة سيكون فتي برأسه شجة ( إصابة )،
و ينتهي نسبه إلي أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
ولم يكن هذا الأشج سوى الصغير عمر بن عبد العزيز الذي تحققت الآية فيه مبكرا.
دخل مرة إلى إصطبل خيول أبيه ليلهو ويلعب فركله جواد في رأسه.
ذاب قلب عبد العزيز وهو يمسح الدماء الغزيرة من رأس طفله،
وفزعت أمه ليلي بنت عاصم،
لكنهما أيقنا منذ تلك اللحظة أن الخلافة الراشدة الموعودة
توشك أن تصادف موضعا من حفيد ابن الخطاب.
راح عبد العزيز يخفف ألام الطفل ويهوّن علي زوجته قائلا:
" إن كنت يا ولدي أشج بني مروان أنك إذا لسعيد".
وما له ألا يكون هو وقد كانت أمه تدخل عليه في طفولته المبكرة ،
فإذا هو يبكي لذكر الموت والحساب.
كان الصغير قد أتم حفظ القران الكريم في فترة قصيرة،
وأراد أبوه أن يجعله معه في مصر حيث ولايته،
لكن الفتي الذي لم يكن قد بلغ الرشد بعد قال له:
يا ابتي إني أرغب في أمر لعله يكون أنفع لي ولك؟
سأله أبوه: وما هو؟ أجاب عمر:
ترسلني إلي المدينة فأجلس إلي فقهائها لأتعلم منهم وأتأدب بآدابهم .
كان رأى الصغير العبقري صائبا ،
فأرسله أبوه إلي صالح بن كيسان رضي الله عنه-
وكان من كبار فقهاء المدينة- ليعلمه.
وفي مدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم بدأت مرحلة جديدة
من حياة الفتي الذي تصنعه الأقدار لأمر عظيم.
وكان من حفظ الله له أنه خطا إلي المراهقة والفحولة في المدينة
بعيدا عما انغمس فيه أقرانه وبنو عمومته من ملذات ونعيم زائل
بأرض الشام التي تحولت في عهد الأمويين الي بلاد للفتنة
والتكالب علي حطام الدنيا تشبها بأباطرة الرومان وأكاسرة الفرس.
ملخص للتربية السليمة خلينا نتعلم
*******************
وشتان ما بين فتي يستهل صباه
بحفظ القراّن الكريم
وما استطاع من الفقه وحديث الرسول صلي الله عليه وسلم
والصبر علي ملازمة كبار الفقهاء من الصحابة والتابعين ليل نهار،
وآخر يشب بين أحضان الجواري ونعيم القصور
الذي ينسي أهلها أمر الآخرة والحساب،
فيقتل فيه الرجولة ويعكر صفاء الذهن ويترك الشاب مسخا مشوها لا يكاد يصلح لشيء.
****************8
فضلت ان انهى هذا الجزء بهذا لنتدبير جيدا كيف نربى ابنائنا بمنتهى الاختصار