مصيبة فقد العلماء

مصيبه فقد العلماء

فقد العالم من مصيبة الدين وهي أعظم من مصيبة الدنيا وعن الحسن قال: كانوا يقولون: (موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار). [رواه الدارمي ح342]. وعن أبي الدرداء في حديث في إسناده مجهول: أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((وموت العالم مصيبة لا تجبر، وثلمة لا تسد، ونجم طمس، وموت قبيلة أيسر من موت عالم)) [روى الطبراني في الكبير. مجمع الزوائد 1/203]. ونحوه روى البزار عن عائشة مرفوعاً، وفيه من يضعف [مجمع الزوائد 1/201] قال عمر رضي الله عنه: موت ألف عابد أهون من موت عالم بصير بحلال الله وحرامه. قال ابن القيم: ووجه قول عمر أن هذا العالم يهدم على إبليس كل ما يبنيه بعلمه وإرشاده، وأما العابد، فنفعه مقصور على نفسه. [مفتاح دار السعادة 1/121]. ويقول الحسن البصري: "موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسده شيء ما اختلف الليل والنهار". قال ابن القيم: لما كان صلاح الوجود بالعلماء، ولولاهم كان الناس كالبهائم، بل أسوأ حالاً كان موت العالم مصيبة لا يجبرها إلا خلف غيره له. [مفتاح دار السعادة 1/68]. ثانياً: قبض العلم بقبض العلماء وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو:أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً إنما يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساءً جهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) [رواه البخاري ح100، ومسلم 2673]. قوله: ((لا يقبض العلم)). قال النووي: هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم ليس هو محوه في صدور حفاظه، ولكن معناه أن يموت حملته، ويتخذ الناس جهالاً يحكمون بجهالتهم فيضلون ويضلون. [شرح النووي على مسلم 16/224]. قال ابن مسعود: عليكم بالعلم قبل أن يرفع، ورفعه هلاك العلماء، والذي نفسي بيده ليودن رجال قتلوا في سبيل الله أن يبعثهم الله علماء لما يرون من كرامتهم. [مفتاح دار السعادة 1/121]. يقول ابن مسعود: أتدرون كيف ينقص الإسلام؟ يكون في القبيلة عالمان، فيموت أحدهما فيذهب نصف العلم، ويموت الآخر فيذهب علمهم كله. وعنه رضي الله عنه أنه قال: (أتدرون كيف ينقص الإسلام ؟ قالوا: كما ينقص الثوب، وكما ينقص سمن الدابة، وكما ينقص الدرهم. قال: إن ذلك لمنه. وأكبر من ذلك موت العلماء) [رواه الطبراني، وقال الهيثمي: رجاله موثوقون. مجمع الزوائد 1/202] قوله: ((اتخذ الناس رؤساء جهالاً)). قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: (تعلموا قبل الظانين)، قال البخاري: يعني الذين يتكلمون بالظن [ذكره البخاري معلقاً في باب الفرائض]. قال النووي: معناه: تعلموا العلم من أهله المحققين الورعين قبل ذهابهم ومجيء قوم يتكلمون في العلم بمثل نفوسهم وظنونهم التي ليس لها مستند شرعي. [المجموع 1/42]. ثالثاً: فضل العلماء كما ذكره القرآن الكريم 1- العلماء ليسوا كغيرهم من الناس، فغيبتهم مثلاً أشد من غيبة سواهم، وطاعتهم أوجب من طاعة غيرهم، يجب على الجاهل تقليدهم ديانة قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر:9]. 2- العلماء شهود الله شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم [آل عمران:18]. قال القرطبي: هذه الآية دليل على أفضل العلم وشرف العلماء، فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته. [تفسير القرطبي:4/41]. 3- أوجب الله طاعتهم وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [النساء:59]. قال جابر بن عبد الله: أهل القرآن والعلم. وقال مجاهد: الفقهاء والعلماء، ومثله مروي عن النخعي.[تفسير القرطبي5/259]. قال ابن القيم: هذا يدل على غاية فضلهم وشرفهم [مفتاح دار السعادة 1/49]. 4- رفعهم الله على سائر الناس يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات [المجادلة11]. قال ابن القيم: قد أخبر سبحانه في كتابه برفع الدرجات في أربعة مواضع. ثم قال بعد أن عددها: فعادت رفعة الدرجات كلها إلى العلم والجهاد الذين بهما قوام الدين. [مفتاح دار السعادة 1/51]. 5- اختصهم الله بحكمته وبفهم دقيق المعاني التي بثها في كتابه يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب [ البقرة:269]. قال ابن عباس: هي المعرفة بالقرآن، فقهه ونسخه، ومحكمه ومتشابهه، وغريبه، ومقدمه ومؤخره. وقال قتادة ومجاهد :الحكمة هي الفقه في القرآن.[تفسير القرطبي 3/330] وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [العنكبوت:43]. 6- العلماء هم أهل الخشية الصحيحة، فعلمهم يعظم مقام الله في نفوسهم إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر:28]. رابعاً: فضل العلماء كما ورد في السنة النبوية - حديث جامع في فضل العلماء عن أبي الدرداء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)) [رواه أبو داود ح3641، والترمذي ح2628، وابن ماجه ح223، وصححه الألباني]. وروى البزار عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، وإن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير)) ونحوه في [الترمذي ح 2686]. قال ابن القيم في قوله: ((فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب)) تشبيه مطابق لحال القمر والكواكب، فإن القمر يضيء الآفاق ويمتد بنوره في أقطار العالَم، وهذا حال العالِم. وأما الكوكب فنوره لا يجاوز نفسه أو ما قرب منه، وهذه حال العابد الذي يضيء نور عبادته عليه دون غيره. وفي التشبيه المذكور لطيفة أخرى، هو أن الجهل كالليل في ظلمته. [مفتاح دار السعادة 1/65]. قوله: ((لتضع أجنحتها)) قال البغوي: معناه: أنها تتواضع لطالب العلم توقيراً لعلمه. وقيل غير ذلك من الأقوال سردها البغوي. [شرح السنة 1/275]. قوله: ((ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر)) قال البغوي: قيل: إن الله سبحانه وتعالى ألهم الحيتان وغيرها من أنواع الحيوان الاستغفار للعلماء. [شرح السنة:1/275]. وفي الحديث المتفق عليه عن معاوية: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) [البخاري 71، ومسلم 1037] قال النووي: فيه فضيلة العلم والتفقه في الدين والحث عليه، وسببه أنه قائد إلى تقوى الله تعالى. [شرح النووي 7/128]. - تفضيل العلماء على العباد وسائر الناس. إضافة إلى ما سبق ذكره في تفضيل العلماء نقول: وعن ابن عباس موقوفاً: ((فقيه واحد أشد على إبليس من ألف عابد)) [الترمذي ح2681، وابن ماجه ح222]. روى الآجري في الشريعة وابن عبد البر من حديث عثمان: أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء)). قال علي رضي الله عنه: (يا كميل بن زياد: القلوب أوعية فخيرها أوعاها. احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يجيئوا إلى ركن وثيق). [الفقيه والمتفقه 2/50]. يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: "العالم والمتعلم في الأجر سواء وسائر الناس همج لا خير فيهم". أجورهم ممتدة إلى قيام الساعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) [ رواه مسلم ح1631، والترمذي ح1376، والنسائي ح3651]. ((إذا مات)) قال النووي: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سبباً لها. [شرح النووي على مسلم 11/85]. قال صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة أن يتعلم المرء علماً ثم يعلمه أخاه المسلم)) [رواه ابن ماجه ح 243]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير فله قبل أجر فاعله)) [رواه مسلم 1893]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى هدى كان له في الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)) [مسلم ح2674]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من علّم آية من كتاب الله عز وجل كان له ثوابها ما تليت)) [سلسلة الأحاديث الصحيحة ح 1335]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من علّم علماً فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل شيء)) [رواه ابن ماجه ح240، وحسنه الألباني]. - إجلال العلماء والتحذير من إهانتهم والاستخفاف بهم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال :قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث لم يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام وذو العلم وإمام مقسط)) [رواه الطبراني] وعن أبي موسى الأشعري أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان للقسط)) [رواه أبو داود ح4843] وعن عبادة رضي الله عنه: قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا)) [رواه أحمد ح22249]. - قال أبا هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم)) [ رواه الترمذي ح2322] قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. ((الدنيا ملعونة)) قال الألباني: المراد بالدنيا كل ما يشغله عن الله تعالى ويبعد عنه، ولعنه: بعده عن نظره. - شهادة النبي صلى الله عليه وسلم للعلماء الوارثين والحاملين لعلمه عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفقون عنه تحريف الغالين وانتمال المبلطين وتأويل الجاهلين)) [رواه ابن عدي والدارقطني وأبو نعيم وفي أسانيده ضعف وجزم العلائي بحسنه لتعدد طرقه]. قال ابن القيم: هذا يتضمن تعديله صلى الله عليه وسلم لحملة العلم الذي بعث به، فكل من حمل العلم المشار إليه لابد وأن يكون عدلاً، ولهذا اشتهر عند الأمة عدالة نقلته، وحملته اشتهاراً لا يقبل شكاً ولا افتراءً، ولا ريب أن من عدله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمع فيه جرح، فالأئمة الذين اشتهروا عند الأمة بنقل العلم النبوي وميراثه كلهم عدول بتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا لا يقبل قدح بعضهم في بعض وهذا بخلاف من اشتهر عند الأئمة جرحه والقدح فيه كأئمة البدع. [مفتاح دار السعادة:1/163].

شكرا لكى اختى

جزاك الله خيراً

بارك الله فيك